زمان كانت أسماؤنا أحلى... حين النساء أكثر أنوثة، ورائحة الباميا تتسرب من شبابيك البيوت، وساعة "الكاسيو" في يد الأب العجوز أغلى أجهزة البيت سعراً وأكثرها حداثة، وحبات المطر أكثر اكتنازاً بالماء.
زمان .. حين أخبار الثامنة أقلّ دماً، ومذاق الشمس في أفواهنا أطيب، وطريق "عمر المختار" أقل ازدحاماً بالسيارات, وبنات المدارس يخبئن أنوثتهن في صفحات دفتر العلوم.
لما كانت غمزة "سميرة توفيق" أكثر مشاهد التلفزيون جرأة، لم نكن نعلم انه سوف تأتي هيفا ونانسي وروبي
عندما كان المزراب يخزّن ماء الشتاء في البراميل، وكُتّاب القصة ينشرون مجموعات مشتركة، وحلو العرس يوزع في كؤوس زجاجية هشّة تسمى "مطبقانيات"، والجارة تمدّ يدها فجرا من خلف الباب بكوب شاي ساخن للزبّال فيمسح عرقه ويستظلّ بالجدار!
زمان.. عندما كانت "الكويت" آخر الدنيا، و"فكر واربح" أهم برامج المسابقات، ولم نكن نعرف بعد أن ثمة فاكهة تتطابق بالاسم مع منظف الأحذية "الكيوي"، وأننا يوماً ما سنخلع جهاز الهاتف من شروشه ونحمله في جيوبنا!!
كانت "القضامة المالحة" توصف علاجاً للمغص، والأولاد يقبّلون يد الجار صباح العيد، والبوت الفورزا في مقدمة أحلام الطلبة المتفوقين!
كانت "أخبار الأسبوع" لصاحبها عبد الحفيظ محمد أهم الصحف وأجرأها على الإطلاق، و"السعوديه" بلد الأحلام، وصورة المطربة صباح على ظهر المرآة اليدوية المعلقة على الحائط.
حين تصحو على صوت "عبد المطلب" أو"سيد مكاوي" وظهرا تسمع "عزيزه جلال" ومساء تترقب "ابراهيم السمان"... والتلفزيون يغلق شاشته في الساعه 12
عندما كانت "مرجيحه الشقاليبو" هي وجهة الأثرياء، والسفر الى رفح يحتاج التحضير قبل يومين،
حين أقلام الباركر الأسود هي الوسيلة الوحيدة للحب قبل اختراع الموبايلات، وعندما كانت المكتبات تبيع دفاتر خاصة للرسائل اوراقها مزوّقة بالورد،..أما الورد ذاته فكان يباع فقط في محل وحيد بالرمال الحي الأرستقراطي الباذخ في ذلك الزمان!!
حين جوازات السفر تكتب بخط اليد، والسفر الى الشام بالقطار، وقمصان "النص كم" للرجال تعتبرها العائلات المحافظة عيبا وتخدش الحياء!
كانت البيوت تكاد لا تخلو من فرن "ابو ذان وأبو حجر" الحديدي، والأمهات يعجنّ الطحين في الفجر ليخبزنه في الصباح، والأغنام تدق بأجراسها أن بائع الحليب صار في الحي، والجارة الأرملة تجلس من أول النهار لصق الجدار مهمومة ويدها على خدّها!
كان مسلسل "وين الغلط" لدريد ونهاد يجمع الناس مساء، ومباريات "المصارعه الحره" تجمعهم في سهرات الثلاثاء، وكان "بيبو الخطيب" أفضل لاعب هجوم في كرة القدم!
كانت الناس تهنئ أو تعزّي بكيس سكّر "أبو خط أحمر" وزن مئة كيلو غرام، والأمهات يحممّن الأولاد في اللجان(الطشط)، و"القرشلّة" يحملها الناس لزيارة المرضى!
كان "الانترنت" رجماً بالغيب لم يتوقعه أحذق العرّافين، ولو حدّثتَ أحدا يومها عن "العدسات اللاصقة" لاعتبرك مرتدّاً أو زنديقاً تستحق الرجم، أما "الماسنجر" فلو حملته للناس لصار لك شيعة وأتباع!!
حين مذاق الأيام أشهى، والبرد يجعل أكفّ التلاميذ حمراء ترتجف فيفركونها ببعضها،
كانت لهجات الناس أحلى، وقلوبهم أكبر، وطموحاتهم بسيطة ومسكينة وساذجة!
الموظفون ينامون قبل العاشرة، والحزبيون يلتقون سراً محاطين بهالة من السحر والبطولة،
والزوجة في يوم الجمعة تخبئ كبدة الدجاجة وقوانصها لتقليها للزوج دلالة على تدليله!
الشمس كانت أكثر صرامة في التعامل مع الصائمين، والثلج لم يكن يخلف موعده السنوي،
والنمل، حتى النمل، كان يبتهج ....
.... ....
كانت الحياة أكثر فقرا وبرداً وجوعاً، لكنها كانت دائما خضراء